في عام 1975 , اجتاحت كمبوديا مجاعة قاسية , و ذلك بسبب أن
أكثر من 75 % من المواشي و حيوانات المزارع نفقت , و جميع مزارع الأرز جفت
بسبب سوء إدارة الخمير الحمر لكمبودبا بشكل خاطئ باللإضافة
إلى دخولهم مع حرب مع فيتنام. تسببت هذه المجاعة في وفاة الكثير من
الكمبوديين و هجرة مجموعة أخرى إلى دول مجاورة . بلغت عدد الوفيات بين
مليون و نصف المليون شخص إلى ثلاثة ملايين شخص من أصل ثمانية ملايين نسمة.
لكن كانت هناك مدينة صغيرة تقع على بعد خمسة و سبعين كيلو مترا شمال
العاصمة ” بنوم بنه ” , استطاعت التأقلم مع المجاعة بطريقة غريبة , هذه
المدينة هي مدينة سكون عاصمة منطقة” تشيونج بري” , و التي اشتهرت باسم
مدينة العناكب .
مدينة ” سكون ” تعاملت مع المجاعة بشكل مختلف . فلم يهاجر من
هذه المدينة و لم يتوف منها إلا القليل . و ذلك يرجع إلى أن سكان مدينة ”
سكون ” قاموا بإيجاد مصدر جديد للغذاء من الغابات المحيطة بمدينتهم .
الغذاء الذي اعتمدت عليه المدينة غير مألوف للبشر . فقد قام سكان مدينة ”
سكون باصطياد الضفادع و الحشرات و استخدامها كمصدر للغذاء . لكن هذه
الكائنات لم تكن الطبق الرئيسي لسد جوع سكان سكون .
عناكب الترانتولا , و هي أحد أكبر العناكب في العالم , كانت
هي المصدر الرئيسي للغذاء , قام أهالي ” سكون ” باصطيادها من جحورها لتكون
طبقهم الرئيسي على المائدة , فهذه العناكب تعتبر مصدرا كبيرا للبروتينات .
الغريب في الأمر أن هذه العناكب سامة , و سمها قاتل في أغلب الأحيان , إلا
أن سكان سكون يطهونها بطريقة تلغي تأثير السم .
استمر سكان هذه المدينة , مدينة العناكب , بالتهام العناكب
حتى بعد انتهاء المجاعة . فطبق الترانتولا يقدم مع كل الأطباق الرئيسية في
سكون حتى يومنا هذا , فقيمة العنكبوت المقلي الواحد يصل إلى ثلاثمائة و
خمسون ريالا كمبوديا , أي ما يعادل سبعة و ثلاثون هللة سعودية . هذه القيمة
تعتبر قليلة أمام المشقة , و الجهد , و الخطر الذي يواجه صيادي
الترانتولا. من الأمور الغريبة , أن معدل استهلاك العناكب يقدر بما يقارب
ثلاثمائة عنكبوت يوميا . و يجب على الطهاة أن يقدموا طلب العناكب إلى
الصيادين قبل بزوغ الفجر , و إلا سيتوقف عمل الطاهي ذلك اليوم بسبب عدم
توفر العناكب له .
قد تكون هذه الفكرة مقززة للكثير من الناس , إلا أن حب الروح و
التمسك بالحياة يجبر المرء على القيام بأي شيء في سبيل النجاة . فمن قشة
نجاة , أصبحت هذه العناكب مصدرا لجذب السياح من كافة أنحاء العالم لزيارة
مدينة “ سكون “. فتجد السكونيين يعرضون هذه العناكب المقلية عند مدخل
المدينة ترحيبا بالسياح .